.
الدعوى الكيدية
قال تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُم فَاسِقُ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَومًا بِجَهَٰلَة فَتُصبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلتم نَٰدِمِينَ ﴾ (الحجرات: 6)
تعد الدعوى الكيدية من الأساليب السلبية غير المشروعة التي تهدف في المقام الأول إلى إبطال حق، وإحقاق باطل، أو إلحاق ضرراً بالغير أيضاً، ومن ثم يترتب عليها العديد من الآثار السلبية على الفرد والمجتمع، خاصةً إذا لم يستطع المدعى عليه إثبات براءته من إفك وبهتان هذه الدعاوى، مما يفقد الثقة بالجهات القضائية، وبالعدالة، وفي الوقت نفسه يمنح المدعي فرصة للتلاعب والتغرير.
إنَّ الدعوى الكيدية في الاصطلاح القانوني هي دعوى يقيمها المدَّعِي من غير حق، بل يطالب بأمر لا حق له فيه، أو يسعى لتعطيل حق مشروع للآخرين باستخدام التحايل والادعاءات الكاذبة بهدف إلحاق الضرر المادي والمعنوي بالغير. وتعني أيضاً لجوء المدَّعِي إلى القضاء لتقرير ما لا يحق له أو تمكينه من الانتفاع بما لا يجوز له الانتفاع به.
فكل ما يُمكِّن استغلال الفرد لحقه في التقاضي والإلمام بالنظم والقواعد الفقهية والقانونية في توجيه الاتهامات الباطلة بهدف إحقاق باطل أو إبطال حق يُعد دعوى كيدية، كما أنَّ الضغط على الخصم وإجباره على التنازل والصلح، أو ابتزازه مادياً لتحقيق بعض المكاسب غير المشروعة، يُعد أيضاً من الكيدية.
أي أن الدعوى الكيدية يجب أن يتوفر فيها عنصر إلحاق الضرر بالمدعى عليه، سواءً كان ذلك بانتقاص حقه وجحده، أو رفض منحه هذا الحق، أو ابتزازه مادياً بمحاولة الحصول على تعويض مادي منه، أو معنوياً بإلحاق الأذى والضرر بسمعته نتيجة اتهامات كاذبة مغرضة لا أساس لها من الصحة تعبر عن ضعف الوازع الديني وتدني القيم الأخلاقية لدى المدَّعِي.
وقد نصّت الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ ۲۱) وتاريخ ١٤٢١/٥/٢٠هـ على أنه : "إذا ثبت لناظر القضية أن دعوى المدعي كيدية حُكِم برد الدعوى، وله الحكم بتعزير المدعي بما يردعه".
وقرار مجلس الوزراء رقم (٩٤) وتاريخ ١٤٠٦/٤/٢٥ هـ "من تقدم بدعوى خاصه و ثبت للمحكمة كذب المدعي في دعواه فللقاضي أن ينظر في تعزيره. وللمدعى عليه المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب هذه الدعوى".
كما قد يحصل لَبس بين عدة مفاهيم متقاربة في المعنى رغم اختلافهم حقيقةً، وهي الفرق بين الدعوى الصورية والدعوى الكيدية والبلاغ الكاذب ..
فالدعوى الصورية هي ما كان ظاهرها الخصومة القضائية وحقيقتها الحيلة والخداع بهدف التوصل من إقامة الدعوى إلى أمر غير مشروع. وتختلف الدعوى الصورية عن الدعوى الكيدية في وجود عامل الاتفاق المسبق بين المدَّعِي و المدَّعَى عليه بهدف إيقاع الضرر بطرف ثالث، فالدعوى الصورية غير حقيقية، ولكنها تهدف إلى إيقاع الضرر والأذى بطرف ثالث أو تعطيل مصالحه وحقوقه بعكس الدعوى الكيدية التي تتضمن في الغالب العلاقة المباشرة بين المدَّعِي والمدعى عليه، من خلال سعي المدَّعِي لإلحاق الضرر بالمدَّعَى عليه. ولا يقتصر التعزير في الدعوى الصورية على المدعي عند ثبوت أن دعوته صورية، بل يمتد ليشمل اتخاذ عقوبة تعزيرية ضد المدعى عليه أيضاً لمشاركته في الإثم بالاتفاق والتواطؤ مع المدعى عليه لإيقاع الضرر بطرف آخر، بينما في الدعوى الكيدية يقتصر توقيع العقوبة التعزيرية على المدَّعِي فقط.
أما البلاغ الكاذب: فهو الإخبار الكاذب لدى الجهة المختصة عن أي أمر مع توفر سوء القصد والنية للإيقاع بالمجني عليه وإيذائه في شرفه وسمعته.
ويتفق كل من البلاغ الكاذب والدعوى الكيدية في سعي كل منهما لإيقاع الضرر، واحتواءهما على معلومات كاذبة مضللة، ولكن غالباً ما تتضمن الدعوى الكيدية تحديد المدَّعَى عليه تحديداً دقيقاً من خلال توجيهها ضد شخص طبعي أو اعتباري جهة أو منظمة، أما البلاغ الكاذب فقد لا يتحدد فيه اسم المدعى عليه. ومع ذلك فتقع العقوبة التعزيرية على كلاً منهما، حيث تناولتها الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية للحد من آثارها السلبية، ولما فيها من تبديد الوقت والجهد وإشغال الجهات المختصة، أو إشغال الناس بأمور لا حقيقة لها ؛ لأن ذلك يعد معصية ، والتعزير يشرع في كل معصية لا حد فيها.
كما إن كلاً من الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية قد حرصا على تعويض المتضرر من جراء الدعوى الكيدية، ومنحته الحق في تقاضي التعويض المادي عما وقع عليه من ضرر مادي ومعنوي، وتميزت الشريعة الإسلامية بتوقيع عقوبة تكميلية زاجرة لما فيها من الألم النفسي البالغ على المدَّعِي في الدعوى الكيدية أو المدعى عليه في حالة اللجوء للدفوع الكيدية، وهي اعتبار ذلك من قبيل شهادة الزور أو قول الزور، وعدم قبول شهادة من يتقدم بدعوى كيدية أو دفوع كيدية.
وقد دشن الأمير تركي بن طلال مبادرة #فتبَيّنوا .. والتي تهدف إلى تعزيز قيم التسامح والترابط بين أفراد المجتمع، والقضاء على الدعاوى والشكاوى الكيدية.
#فتبَيّنوا من أعظم الوصايا الربانية..
كُن مُتأنيّاً، مُترويّاً، مُتعَقِّلاً، قبل أيّ خطوة، أو حُكم، ولا تأخذ كل ما يأتيك على محمل الجَدّ دون تمريره على مصفاة التمحيص والنقد، ولا تُطلِق الأحكام أو الأقوال أو الأفعال جزافًا دون تفكير.
ريما سعيد القحطاني
شركة علي بن ظافر للمحاماة والاستشارات القانونية